فصل: الخبر عن بيعة ابن مزني يحيى بن خالد ومصاير أموره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن استيلاء السلطان أبي البقاء على الحضرة وانفراده بالدعوة الحفصية:

لما بلغ السلطان أبا البقاء بمكانه من بجاية وأعمالها الخبر بمرض السلطان أبي عصيدة مع ما كان من العقد بينهما بأن من مات قبل صاحبه جمع الأمر بعده للآخر داخلته الظنة أن ينتقض أهل الحضرة في هذا الشرط واعتزم على النهوض لمشارفة الحضرة ووصل إليه حمزة بن عمر نازعا عنهم فرغبه واستحثه وخرج من بجاية في عساكره وورى بالحركة إلى الجزائر لما كان من انتقاضهم على أبيه واستبداد ابن علان بها ثم ارتحل إلى قصر جابر وعند بلوغه إليه ورد الخبر بمهلك السلطان أبي عصيدة وبيعة الموحدين بعده لأبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن الأمير أبي زكريا فاضطغنها على الموحدين وأغذ السير وانحاش إليه كافة أولاد أبي الليل واجتمع أمثالهم أولاد مهلهل إلى صاحب تونس وخرج معهم شيخ الدولة أبو يعقوب بن يزدوتن والوزير أبو عبد الله ابن يرزيكن في العساكر للقاء ووقوا سلطانهم بأنفسهم فلما زحف إليهم السلطان أبو البقاء اختل مصافهم وانهزموا وانتهب المعسكر وقتل الوزير ابن يرزيكن وأجفلت أحياء العرب إلى القفر ودخل العسكر إلى البلد واضطرب الأمر وخرج الأمير أبو بكر بن عبد الرحمن فوقف بساحة البلد قليلا ثم تفرق عنه العسكر وتسايلوا إلى السلطان أبي البقاء وفر أبو بكر ثم أدرك ببعض الجهات فثل إلى السلطان فاعتقله في بعض الفازات وغدا على السلطان أهل الحضرة من المشيخة والموحدين والفقهاء والكافة فعقدوا بيعته وقتل الأمير فسمي الشهيد آخر الدهر وباشر قتله ابن عمه أبو زكريا يحيى بن زكريا شيخ الموحدين.
ودخل السلطان من الغد إلى الحضرة واستقل بالخلافة وتلقب بالناصر لدين الله المنصور ثم استضاف إلى لقبه المتوكل وأبقى أبا يعقوب بن يزدوتن في رياسته على الموحدين مشاركا لأبي زكريا يحيى بن أبي الأعلام الذي كان رئيسا عنده قبلها واستمر على خطة الحجابة أبو عبد الرحمن يعقوب بن عمر وولى على الأشغال بالحضرة منصور بن فضل بن مزني وجرت الحال على ذلك إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن بيعة ابن مزني يحيى بن خالد ومصاير أموره:

كان يحيى بن خالد ابن السلطان أبي إسحق في جملة السلطان أبي البقاء خالد وتنكرت له الدولة لبعض النزعات فخشى البادرة وفر فلحق بمنصور بن مزني وكان منصور قد استوحش من ابن عمر فدعاه إلى القيام بأمره فأجاب وعقد له على حجابته وجمع له العرب وأجمع على قسنطينة أياما وبها يومئذ ابن طفيل وكانت قد اجتمعت ليحيى بن خالد زعنفة من الأوغاد اشتملوا عليه واشتمل عليهم وأغروه بابن مزني فوعدهم إلى حين ظفره واطلع ابن مزني على سوء دغلته فنفض يده من طاعته وانصرف عنه إلى بلده فانفضت جموعه ابن مزني على سوء دغلته فنفض يده من طاعته وانصرف عنه إلى بلده فانفضت جموعه وراجع ابن مزني طاعة السلطان أبي البقاء ومخالصة بطانته وحاجبه فتقبلوه ولحق يحيى بن خالد بتلمسان مستجيشا ونزل على أميرها أبي زيان محمد بن عثمان بن يغمراسن فهلك لأيام من قدومه وولي بعده أخوه أبو حمو موسى بن عثمان فأمده وزحف إلى محاربة قسنطينة فامتنعت عليه ثم استدعاه ابن مزني إلى بسكرة فأقام عنده وأسنى له الجراية ورتب عليه الحرس وكان السلطان ابن اللحياني يبعث إليه من تونس بالجائزة مصانعة له في شأنه حتى لقد أقطع له بتونس من قرى الضاحية ما كان للسلطان وابنه فلم يزل في إسهامه وإسهام بنيه من بعده إلى أن هلك يحيى ابن خالد بمكانه عنده سنة إحدى وعشرين وسبعمائة والله تعالى أعلم.

.الخبر عن بيعة السلطان أبي بكر بقسنطينة على يد الحاجب ابن عمر وأولية ذلك:

لما نهض السلطان أبو البقاء إلى الحضرة عقد على بجاية لعبد الرحمن بن يعقوب بن مخلوف مضافا إلى رياسته في قومه كما كانوا يستخلفون أباه عليها عند سفرهم عنها وكان يلقب المزوار وجعله حاجبا لأخيه الأمير أبي بكر على قسنطينة فانتقل إليها وعكف السلطان أبو البقاء في تونس على لذاته وأرهف حده وعظم بطشه فقتل عدوان بن المهدي من رجالات سدويكش ودعار بن حريز من رجالات الأثابج فتفاوض رجال الدولة في شأنه وخشوا غدرته وأعمل الحاجب ابن غمر وصاحبه منصور بن فضل عامل الزاب الحيلة في التخلص من إيالته واستعصب راشد بن محمد أمير مغراوة كان نزع إليهم عند استيلاء بني عبد الواد على وطنه فتلقوه من الكرامة بما يناسبه واستقر في جملتهم وعليه وعلى قومه كانت تدور رحى حروبهم.
واستصحبه السلطان أبو البقاء خالد إلى الحضرة أميرا على زناتة فدفع بعضهم حشمه إلى الحاجب في مقعد حكمه وقد استعدى عليه بعض الخدم فأمر بقتله لحينه واحفظ ذلك الأمير راشد بن محمد فرتب لها عزائمه وقوض خيامه لحينه مغاضبا فوجد الحاجب بذلك سبيلا إلى قصده وتمت حيلته صاحبه وأهم السلطان شأن بجاية ونواحيها وخشي عليها من راشد بما كان صديقا ملاطفا لعبد الرحمن بن مخلوف وفاوضهما فيمن يدفعه إليها فأشار عليه الحاجب بمنصور بن مزني وأشار منصور بالحاجب وتدافعاها أياما حتى دفعاها جميعا إليه وطلب ابن غمر من السلطان العقد لأخيه أبي بكر على قسنطينة فعقد له وولى عليا ابن عمه الحجابة بتونس نائبا عنه وفصل من الحضرة ولحق بقسنطينة وصرف منصور بن فضل إلى عمله بالزاب فكان من خلافه ما يذكر وقام ابن عمر بخدمة السلطان أبي بكر فتصرف في حجابته ثم داخله في الانتقاض على أخيه وبدت مخايل ذلك عليهم فإرتاب لهم السلطان أبو البقاء وأحسن علي بن الغمر بارتيابه فلحق بقسنطينة وجهز السلطان أبو البقاء عسكرا وعقد لظافر مولاه المعروف بالكبير وسرحه إلى قسنطينة فانتهى إلى باجة وأناخ بها إلى أن كان من أمره ما يذكر.
وبادر ابن غمر إلى المجاهرة بالخلعان ودعا مولانا السلطان أبا بكر إليه فأجابه وأخذ له البيعة على الناس فتمت سنة إحدى عشرة وسبعمائة وتلقب بالمتوكل وعسكر بظاهر قسنطينة إلى أن بلغه مجاهرة ابن مخلوف بخلافهم فكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.